رؤية وابداع

البردية 369

 هبة فتح الله

الراوي : لم تَترُكِ الأقدارُ الفرصةَ للصُّدفِ للبحثِ عن البطلِ الثاني، فلقد اختارَتْهُ البرديةُ منذُ صِغَرِه؛ لتاريخِ أجدادِهِ، وحُبِّهم للحضارةِ المصريَّةِ، ولقوةِ إيمانهِ التي تصنعُ المستحيلَ.

سأترككم مع بطلِ البرديةِ الدكتورِ نورِ الدينِ الحلبيِّ.

الحلقة الثانية :

أنا الدكتورُ نورُ الدينِ الحلبيُّ، معيدٌ بكليةِ الآثارِ ، جامعةِ عين شمس، وأُشرِفُ على تجهيزاتِ المتحفِ الكبيرِ بمنطقةِ الأهراماتِ .

عمري أربعةٌ وثلاثون عاماً، أبي سوريٌّ وأمي مصريةٌ . عشقْتُ تُرابَ مِصرَ من حُبِّي لوالدي المهندسِ /بلالِ الحلبي/، حيثُ عَمِلَ والدي في مِصرَ أربعةَ عشرَ عاماً بشركةِ المُقاوِلينَ العربِ عثمان أحمد عثمان، وتعرَّفَ على والدتي وتزوَّجا، ووُلِدْتُ بمصرَ الحبيبةِ.

بعدَ عودتي لوطني سوريةَ الغاليةِ عدتُ لمصرَ مرةً أخرى لِأَلتحِقَ بكليةِ الآثارِ، جامعةِ عين شمس.

إلَّا أنَّه في يومِ أمسِ، وأثناءَ انتظاري لصديقي عمرَ، الذي تركني؛ لإحضارِ الشاي لنا لِنتناوَلَه ساعةَ الغروبِ بجانبِ أبي الهولِ والأهراماتِ، فُوجِئْتُ برَجُلٍ يَكسُو الشَّيبُ رأسَه، عريضِ المِنكبَيْنِ، طويلِ القامةِ، أسمرِ اللونِ، رماديِّ العينِ، له نظرةٌ تقشعِرُّ لها الأبدانُ، يرتدي سروالاً بُنِّيّاً، وقميصاً يَميلُ لَونُهُ إلى درجاتِ مَغيبِ الشمسِ، مزخرفٍ برسومٍ عجيبةٍ على الجانبين.

أطالَ التحديقَ بي، وأنا أُحاولُ أن أتحاشى نَظَراتِه المُرِيبةَ، وأحياناً أخرى أُبادِلُه النظراتِ . وفجأةً …. تقدَّمَ إليَّ، وبابتسامةٍ هادئةٍ ألقى عليَّ السلامَ، وأخبرني إنَّه يتابعُ نشاطي في المتحفِ، وسألني أن أقبلَ هديتَهُ. وقدَّمَ لي كتاباً عتيقاً بُنّيَّ اللونِ، كسا الزمنُ أوراقَهُ باللونِ الأصفرِ، ومحفورٌ على غلافِهِ نجومٌ مختلفةُ الأشكالِ والأحجامِ باللونِ الذهبيِّ .

ومن حِدَّةِ طريقتِهِ ونَظراتِهِ لم أتردَّدْ في أَخْذِ الكتابِ، وحينَ لمسْتُهُ أحسَسْتُ بقلبي يُرسِلُ دَقَّاتِه العاليةِ لِيُوقِظَ كلَّ حواسي للانتباهِ لحدوثِ شيءٍ ما، وشعرْتُ بضيقٍ شديدٍ في صدري .

توجَّهْتُ بِبَصرِي إليهِ؛ لِأَشكُرَهُ، فلم أَجِدْهُ أمامي.

اختفى … حاولتُ البحثَ عنهُ دونَ أيِّ فائدةٍ، إلى أن سمعْتُ زميلي يناديني، ثم عدتُ للبيتِ مسرعاً، واستلقيْتُ على سريري خائِرَ القِوَى .

وفي صباحِ اليومِ التالي فوجئْتُ بخبرٍ عن عيونِ أبي الهولِ، فأسرعتُ بارتداءِ ملابسي؛ للذهابِ إلى الأهراماتِ ناسياً الكتابَ، إلَّا أنني فوجئتُ بالكتابِ على المِنضَدَةِ يشعُّ بأنوارَ خافتةٍ.

حاولتُ أن أتمالَكَ أعصابي؛ لأتمكَّنَ من الإمساكِ بهِ، وفتحْتُهُ؛ لِأَجِدَ نِصفَ برديةٍ عجيبةٍ، فيها حروفٌ مُضِيئةٌ، وجُمَلٌ غيرُ مفهومةٍ عن حارسٍ يُدعَى “حور” . وفجأةً … عادتْ لطبيعتِها، وعادت حروفُها . فَفَزِعْتُ وتركتُ الكتابَ، وأسرعتُ بالخروجِ من المنزلِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا